خطبة رجلان تحابا في الله
 
 
خطبة رجلان تحابا في الله - مسموعة

جودة

خطبة رجلان تحابا في الله 17-09-2021
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}

أما بعد: أحبتي في الله! من السَبْعَةٌ الذين يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: رجلان تحابا في الله إجتمعا عليه وتفرقا عليه.

التحاب في الله تعالى والأخوة في دينه من أفضل القربات وأفضل ما يُستفاد من الطاعات.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

ولقد امتن الله على نبيه ﷺ بالألفة والحب بين أصحابه، قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63 الأنفاال)

وقال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( آل عمران103)

ما أحلاها من نعمة وأعظمها منّة:

لا أطيب من الحب في الله فما ظنك بالثمرة، قال تعالى: حُقت محبتي للمتحابين فيّ، وحُقت محبتي للمتواصلين فيّ، وحُقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحُقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحُقت محبتي للمتباذلين فيّ.

المتحابون على منابر من نور، يغبطهم النبيون والصديقون والشهداء يقول تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

قال رسول الله ﷺ: إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون لجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي.

حقوق الأخوة والصحبة:

لأخيك عليك حق في المال والنفس وفي اللسان والقلب بالعفو والدعاء وبالإخلاص والوفاء، وذلك يجمعه 8 حقوق:

1-    الحق الأول: في المال: وحُقت محبتي للمتباذلين فيّ. المواساة بالمال على 3 مراتب:

أدناها: أن تقوم بحاجته من فضلة مالك.

ثانيا: أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك في مالك.

ثالثا: هي العليا أن تؤثره على نفسك وتقدم حاجته على حاجتك، وهذه رتبة الصديقين. قال تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)

لما هاجر عبد الرحمان بن عوف إلى المدينة فقيرا، لا شيء له، آخى الرسول بينه وبين سعد بن الربيع، فعرض عليه سعد أن يشاطره نعمته، وأن يطلق له أحسن زوجتيه. فقال له عبد الرحمان: بارك الله لك في أهلك ومالك ولكن دُلني على السوق

ويقول الحسن: كنا نُعد البخيل الذي يُقرض أخاه.

2-    إطعام الإخوان وكسوتهم:

يقول أبو سليمان: إني لألقم اللقمة أخا من إخواني فأجد طعمها في حلقي. وكان ابن المبارك يُطعم أصحابه في الأسفار اطايب الطعام وهو صائم

3-    الإعانة بالنفس والبدن في قضاء الحاجات:

كان الحسن يقول: إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا، لأن أهلنا يُذكروننا بالدنيا، وإخواننا يذكروننا بالآخرة.

وقال رسول الله ﷺ: أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ

كان ابن المبارك إذا حج يأخذ نفقات أصحابه ويضعها في صندوق، ثم يُنفق عليهم ويطعمهم أعلى طيب الطعام، ثم إذا رجع يُرجعلهم كل أموالهم التي جعلها في الصندوق.

قال رسول الله ﷺ: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يُحب لنفسه.

4-    على اللسان بالنطق بالمحاب:

أن يتودد إليه بلسانه، ويتفقده في أحواله.

ومن ذلك أن يُخبره بمحبته له، قال رسول الله ﷺ: إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يُحبه. ومن ذلك أن يدعوه بأحب الأسماء إليه.

وأن يُثني عليه بما تعرف من محاسن أحواله، وان تشكره على صنيعه في حقك بل على نيته وإن لم يتم ذلك، والذب عنه في غيبته مهما قُصد بسوء.

5-    العفو عن الزلات والهفوات:

حتى وإن وقع في ذنب، كما قال إبراهيم النخعي: لا تقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب فإنه يرتكبه اليوم ويتركه غدا، الدين النصيحة.
وأما هفواته وتقصيره في حقك فالواجب فيه الإحتمال والعفو والتعامي عنه. قال الحكماء: لا صديق لمن أراد صديقا لا عيب فيه. فلا تقطع أخاك إلا إذا عجز الحيلة عن استصلاحه.

خطبة2: الحمد لله رب العالمين ...

6-    الدعاء للأخ في حياته وبعد مماته:

قال رسول الله ﷺ: من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة. وقال  ﷺ: دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يٌرد.

كان أبو الدرداء يقول: إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي أسميهم بأسمائهم

7-     الوفاء والإخلاص:

من الوفاء أن لا يسمع بلاغات الناس على صديقه وأن لا يُصادق عدو صديقه، قال الشافعي: إذا أطاع صديقك عدوك فقد إشتركا في عداوتك.

ومن تمام الوفاء النصح لله، وحسن الظن بأخيه، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إنّ بعض الظن إثم. فسوء الظن غيبة بالقلب.

قال عمر ابن الخطاب: ولا تظننّ بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا.

والتواضع لإخوانه قال ﷺ: بحسب إمرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم.

8-    الحق الثامن: التخفيف وترك التكليف

قال علي رضي الله عنه: شر الأصدقاء من تكلف لك ومن أحوجك على مداراة وألجأك إلى اعتذار.

ومن الحقوق العامة للمسلمين وهي أيضا للأخ:

*وقوله ﷺ: ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ) .
أسأل الله أن يصلح لنا ولكم العاقبة، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن الشيطان وشركه، وأن نقترف على أنفسنا سوءًا أو أن نجره إلى مسلم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. 

خطبة الإمام العادل